كيفية تجنب بيئة العمل السامة

4 إجراءات لمنع تشكل بيئة عمل سامة في فترة ما بعد الجائحة

لقد غيَّرت جائحة كوفيد-19 العديد من جوانب حياتنا اليومية، بما في ذلك بيئات العمل، حيث ظهرت تحديات جديدة في ظل التحولات التي أحدثتها الأزمة الصحية العالمية. ومع عودة العديد من الشركات إلى بيئات العمل التقليدية أو استمرار العمل عن بعد، ظهرت مشكلات اجتماعية ونفسية أثرت بشكل كبير على ثقافة العمل. ومع تزايد الضغط والتوتر الذي يعاني منه الموظفون، أصبح من الضروري تبني إجراءات مدروسة لمنع تشكل بيئة عمل سامة قد تؤدي إلى تدهور الأداء وزيادة معدلات التوتر والاستقالات. في هذا السياق، تبرز أهمية دور القادة في خلق بيئات عمل صحية وآمنة. سنتناول في هذا المقال أربعة إجراءات أساسية يمكن للشركات تنفيذها لضمان بيئة عمل خالية من السموم بعد الجائحة.

1. تعزيز التواصل المفتوح والشفاف

تعتبر القدرة على التواصل بفعالية مع الموظفين واحدة من أكثر الطرق فعالية للحد من أي بيئة عمل سامة. الجائحة قد أظهرت أهمية التواصل الفعَّال عن بُعد، مما جعل التواصل المفتوح والشفاف أمرًا أكثر أهمية من أي وقت مضى. حيث يجب أن يكون هناك قنوات واضحة ومفتوحة للتواصل بين الموظفين والإدارة، وهذه القنوات لا تقتصر على رسائل البريد الإلكتروني الرسمية أو الاجتماعات العامة فقط، بل يجب أن تكون هناك فرص دائمة للتفاعل بين القادة والموظفين.

من خلال إقامة اجتماعات دورية وشفافة، يمكن للموظفين التعبير عن آرائهم ومخاوفهم بسهولة دون الخوف من الانتقام أو التهميش. على سبيل المثال، يمكن عقد جلسات استماع فردية أو جماعية مع الموظفين لمعرفة مدى رضاهم عن بيئة العمل، والاطلاع على التحديات التي يواجهونها. كما ينبغي أن يتم التعامل مع المشكلات بشكل فوري وفعَّال، لأن التجاهل أو التأجيل قد يؤدي إلى تصاعد المشكلات التي تساهم في خلق بيئة سامة.

2. تحسين الدعم النفسي والاجتماعي للموظفين

تجربة الجائحة كانت قاسية على الصحة النفسية للعديد من الموظفين، حيث فرضت عزلة اجتماعية ورفعت مستويات القلق والتوتر. ولذا، فإن تعزيز الدعم النفسي والاجتماعي أصبح ضرورة ملحة في فترة ما بعد الجائحة. من المعروف أن بيئة العمل السامة غالبًا ما تكون نتيجة لقلة الاهتمام بالصحة النفسية للموظفين. لتحقيق بيئة عمل صحية، من الضروري توفير برامج دعم نفسي واجتماعي تهدف إلى تخفيف الأعباء النفسية.

يمكن أن تشمل هذه البرامج تقديم استشارات نفسية داخلية أو دعم خارجي مع مختصين، وتوفير أدوات لتحسين الصحة النفسية مثل التأمل واليوغا وبرامج التدريب على إدارة الضغط. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات تقديم إجازات مدفوعة للموظفين الذين يعانون من ضغوط نفسية شديدة أو احتياجات صحية خاصة. من خلال هذه المبادرات، يشعر الموظفون بأنهم جزء من بيئة تدعمهم وتعتني بهم، مما يعزز الشعور بالانتماء ويقلل من التوترات السامة التي قد تتشكل.

3. تطوير ثقافة احترام التنوع والشمول

لقد كشف تزايد الوعي الاجتماعي في الفترة التي تلت الجائحة عن الحاجة الملحة لتعزيز ثقافة التنوع والشمول في بيئات العمل. بيئة العمل السامة غالبًا ما تنشأ من عدم احترام التنوع وغياب الشمولية، حيث يشعر الموظفون بالإقصاء أو التمييز بسبب هويتهم أو خلفيتهم الثقافية أو معتقداتهم. لتجنب هذا، يجب على الشركات أن تبذل جهودًا كبيرة في نشر قيم الاحترام والتقدير لجميع الأفراد داخل بيئة العمل.

يشمل ذلك تشجيع التنوع على جميع الأصعدة، سواء كان تنوعًا ثقافيًا، دينيًا، أو حتى من حيث نوع الجنس والتوجهات الجنسية. يمكن للمؤسسات أن تطور من سياساتها الخاصة بمكافحة التمييز وتضمن أن تكون هذه السياسات واضحة ومعلنة للجميع. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تقدم التدريب المستمر للموظفين والإدارة حول كيفية التعامل مع التنوع، مع التركيز على بناء بيئة داعمة تعترف باختلافات كل فرد وتستفيد منها لتعزيز بيئة العمل.

من المهم أيضًا أن يتم بناء سياسات واضحة للتعامل مع أي شكل من أشكال التمييز أو التحرش، مع ضمان وجود آلية لتقديم الشكاوى وحل النزاعات بشكل عادل وسريع. يعزز ذلك الشعور بالعدل والمساواة بين الموظفين ويقلل من أي تفاعلات سلبية قد تؤدي إلى بيئة سامة.

4. تعزيز التوازن بين الحياة المهنية والحياة الشخصية

أدت الجائحة إلى تزايد العمل عن بُعد، مما أدى إلى مزيد من التداخل بين الحياة المهنية والشخصية للعديد من الموظفين. نتيجة لذلك، بدأ بعض الموظفين يعانون من الإرهاق والضغط بسبب عدم القدرة على الفصل بين أوقات العمل وأوقات الراحة. في هذا السياق، من الضروري أن تركز الشركات على تعزيز التوازن بين العمل والحياة الشخصية كأولوية رئيسية.

من الإجراءات التي يمكن تنفيذها في هذا الشأن هي تحديد ساعات عمل مرنة تشجع الموظفين على تحديد مواعيد عملهم الخاصة بما يتناسب مع احتياجاتهم الشخصية. كما يجب أن تكون هناك سياسات مرنة تدعم العمل عن بُعد أو العمل الجزئي، مما يتيح للموظفين القدرة على التكيف مع تحديات حياتهم الشخصية بشكل أفضل. هذا النهج لا يساعد فقط في تقليل التوتر والإرهاق بل يسهم أيضًا في زيادة الإنتاجية من خلال تحسين حالة الموظفين النفسية والجسدية.

علاوة على ذلك، يجب أن تدرك الشركات أهمية الإجازات المدفوعة بشكل كافٍ، حيث تعطي هذه الإجازات الموظفين الفرصة للراحة والتجديد. يجب على القادة التشجيع على أخذ هذه الإجازات من خلال تبني سياسات غير مستنكرة للغياب العادل. إذا كانت هذه السياسات غير موجودة أو غير مفهومة، فقد يؤدي ذلك إلى شعور الموظفين بالضغط الزائد وارتفاع مستويات التوتر، مما قد يسهم في تشكيل بيئة سامة.

الخلاصة

لقد أظهرت جائحة كوفيد-19 أهمية إعادة النظر في كيفية إدارة بيئات العمل، وأوضحت أن بيئة العمل السامة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الأداء الفردي والجماعي في المؤسسات. من خلال اتباع الإجراءات المذكورة أعلاه، يمكن للشركات أن تخلق بيئة عمل صحية وآمنة تساهم في تعزيز الإنتاجية والرفاهية العامة للموظفين. فالتواصل المفتوح، الدعم النفسي والاجتماعي، تعزيز التنوع والشمول، وتوفير التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، هي جميعها إجراءات تساهم في تجنب بيئة العمل السامة، مما يعزز من فرص النجاح والابتكار في المستقبل.